تسرب الكلور.. معاناة بيئية وصحية تزيد من أوجاع العراق
في ثاني واقعة خلال أسبوع
في ثاني واقعة خلال أسبوع، أعلنت السلطات العراقية عن تسرب غاز الكلور السام في محطة مياه للشرب، ما أثار جدلا ولغطا واسعا في البلاد.
والاثنين، أعلنت مديرية الدفاع المدني العامة في العراق، أن فرقها سيطرت على تسرب غاز الكلور في محطة ماء حي الحسن العسكري بمحافظة ميسان (جنوب شرق).
وجاء ذلك عقب أيام على وقوع حادثة مماثلة في محافظة بابل (وسط) لتسرب غاز الكلور الخانق من أسطوانة داخل مشروع مياه بالمحافظة.
وفي يوليو 2022، وقعت أكبر هذه الحوادث وهو التسرب الذي شهدته محطة مياه بلدة قلعة سكر (جنوب) وأسفر آنذاك عن اختناق أكثر من 310 أشخاص.
وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن الكلور أو الكلورين هو غاز سام ذو رائحة نفاذة، وهو أثقل من الهواء بثلاثة أضعاف تقريبا، وبالتالي فهو يتجمع في المناطق المنخفضة، وهو غير قابل للانفجار، إلا أنه قد يعزز الانفجار لمواد أخرى.
وتشير تقارير محلية إلى أن هذا التسرب يرجع إلى العديد من العوامل، من بينها التسرب من مصادر صناعية والتخزين السيئ والتدمير العرضي للمواد الكيميائية، ما يعد مشكلة بيئية خطيرة.
ويؤثر هذا التسرب السام على المياه والتربة والهواء، وبالتالي يعرض صحة الإنسان والحيوانات والنباتات للخطر، وفق تقارير بيئية.
مواجهة الأزمة
بدوره، قال الخبير العراقي في مجال البيئة، الدكتور عامر عبدالله الجنابي، إن تسرب الكلور يعد مشكلة خطيرة للبيئة والصحة العامة في البلاد، وبالتالي يجب اتخاذ إجراءات عاجلة لحل هذه المشكلة.
واقترح الجنابي في تصريح لـ"جسور بوست" تشديد الرقابة على مصادر إنتاج وتخزين المواد الكيميائية وتحسين إجراءات التدمير الآمن للمواد الكيميائية، وتشجيع استخدام التكنولوجيا النظيفة في الصناعة، لإنهاء احتمالات وقوع تلك الحوادث الخطرة بيئيا.
وأشار إلى ضرورة توعية المواطنين بمخاطر تسرب المواد الكيميائية وكيفية الحد منها، وتشجيع المجتمع المحلي على المشاركة في حماية البيئة والصحة العامة.
ومضى قائلا: "يمكن للأفراد أن يسهموا في حل مشكلة تسرب الكلور في العراق باتخاذ عدة خطوات، من بينها الحفاظ على نظافة المناطق المحيطة بهم، وعدم التخلص من المخلفات والنفايات في الأماكن العامة أو المياه الجوفية، والتوعية بأهمية حفظ المياه وتقليل استخدام المواد الكيميائية في المنازل وتحديداً المنظفات الكيميائية، وصيانة السيارات لتفادي التسريبات الزيتية والوقودية".
ودعا الجنابي إلى أهمية الإسهام في الحملات البيئية والتطوع في تنظيف الشوارع والشواطئ والأنهار، والإعلان عن سبل التواصل مع المسؤولين والجهات المعنية والمؤثرين لزيادة الوعي بمشكلة تسرب الكلور والمطالبة باتخاذ إجراءات عاجلة لحل المشكلة.
يأتي ذلك إلى جانب "دعم المنظمات غير الحكومية والمجموعات المجتمعية التي تسعى إلى حماية البيئة والصحة العامة وتوفير المساعدة المادية والمعنوية لهذه المنظمات، وكذلك التحلي بالمسؤولية الاجتماعية وتشجيع الآخرين على القيام بالأعمال البيئية المسؤولة والتفاعل مع البيئة بصورة إيجابية"، بحسب رأيه.
وتابع: "يمكن للأفراد أن يساعدوا في حل مشكلة تسرب الكلور في العراق من خلال تبني نمط حياة صديق للبيئة وتوجيه جهودهم نحو الحفاظ على البيئة والصحة العامة في العراق".
وأضاف: "كما يجب تحديد معايير صارمة للتخزين والتدمير الآمن للمواد الكيميائية ومراقبة تطبيقها، وتشجيع التطبيق والاستخدام للتكنولوجيا النظيفة في الصناعة، وتطوير تقنيات جديدة لتدمير المواد الكيميائية بطريقة آمنة، إضافة إلى تعزيز التعاون الدولي والإقليمي في مكافحة التلوث البيئي والتعاون في تطوير وتبادل التقنيات النظيفة والممارسات البيئية".
وأكد أن حل مشكلة تسرب المواد الكيميائية في العراق يتطلب تعاون جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المحلي والمواطنون.
مخاطر متزايدة
ومن جانبه، اعتبر أستاذ الكيمياء الحيوية بجامعة القاهرة، الدكتور إبراهيم ربيع، أن أزمة تسرب الكلور في العراق من بين الأزمات البيئية التي تؤثر بشكل كبير على الصحة العامة، وتزيد من خطر الإصابة بالأمراض المتعلقة بالجهاز التنفسي والعيون في البلاد.
وأكد الدكتور ربيع لـ"جسور بوست"، أنه لتفادي التأثير السلبي لتسرب الكلور في أي بيئة يجب توفير المياه النظيفة والآمنة للشرب والاستخدام الزراعي والصناعي الآمن، من خلال تنظيف وتنقية وتحلية المصادر المائية، بجانب تعزيز الرصد البيئي والصحي للتأكد من سلامة المياه والهواء والتربة، وتحديد المصادر المحتملة للتلوث واتخاذ الإجراءات اللازمة للحد منها.
وتابع: "كما يجب تعزيز التوعية البيئية والصحية لدى المواطنين والمسؤولين عن صنع القرار، من خلال تثقيفهم حول آثار التلوث البيئي على الصحة والاقتصاد والبيئة، إضافة إلى تعزيز التعاون الدولي في مكافحة التلوث البيئي وتبادل الخبرات والتكنولوجيا والموارد المالية للتعامل مع مثل هذه الأزمات بشكل فعال".
وينص قانون البيئة العراقي الصادر عام 2017، على ضرورة حماية البيئة والصحة العامة من التلوث الناجم عن استخدام المواد الكيميائية، وإنشاء وزارة البيئة في العراق التي تهتم بمراقبة البيئة والتحقق من التزام الصناعات بالمعايير البيئية المحددة.
وينص أيضا على تشديد الرقابة والتفتيش على المصانع والمنشآت الصناعية للتأكد من التزامها بالمعايير البيئية والتقنيات النظيفة، وتعزيز الوعي البيئي وتثقيف الجمهور حول تأثير المواد الكيميائية على الصحة العامة والبيئة.
وأدى تكرار حوادث التسرب في الغازات السامة، وخاصة غاز الكلور، إلى اتخاذ الحكومة العراقية عدة إجراءات مشددة للحد منها، إذ فرضت عقوبات على المصانع التي لا تلتزم بالمعايير البيئية، التي تتراوح بين فرض الغرامات المالية والقيود على النشاط والإغلاق والمساءلة الجنائية وغيرها.
ويقول الأطباء إن الأعراض الصحية الناجمة عن التسمم بغاز الكلور، تتمثل معظمها في السعال والشعور بالاختناق وضيق التنفس والصدر والغثيان والقيء والصداع والالتهاب الرئوي ونقص الأوكسجين وتوقف القلب مع تهيج وحرقان في العينين.